- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠2دروس جامع الاحمدي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد؛ الصادق الوعد الأمين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً، وارزقنا اتباعاً، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتناباً، واجعلنا ممن يستمعون القول؛ فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
من أشد الناس حسرة يوم القيامة؟ :
أيها الأخوة المؤمنون:
((أشد الناس حسرة يوم القيامة؛ رجل أمكنه طلب العلم في الدنيا فلم يطلبه))
أمكنه طلب العلم في الدنيا فلم يطلبه:
يعني إذا كان في بلدة فيها مجالس علم, وفيها علماء، وفيها دروس، وفيها مؤلفات، ومتاح لك أن تقيم شعائر الله، متاح لك أن ترتاد المساجد، متاح لك أن تسأل أن أهل الذكر، إن كنت في بلدة كهذه البلدة، وعزفت عن طلب العلم، وزهدت بالعلم، وزهدت بالدين، والتفت إلى الدنيا, ثم جاء الموت بغتة, فرأيت الذين تبعوا دين الله, هم أعلام في الآخرة وسعداء، وهذا الذي فضل الدنيا على الآخرة, كان من أشقى الأشقياء، عندئذ تكون الحسرة.
((أشد الناس حسرة يوم القيامة؛ رجل أمكنه طلب العلم في الدنيا فلم يطلبه))
لذلك: هناك بعض الأدعية -قرأتها في كتاب قبل حين-, من هذه الأدعية:
اللهم إني أعوذ بك أن يكون أحد أسعد بما علمتني مني.
ما معنى هذا الدعاء:
((اللهم إني أعوذ بك أن يكون أحد أسعد بما علمتني مني))
((أشد الناس حسرة يوم القيامة؛ رجل أمكنه طلب العلم في الدنيا فلم يطلبه))
يعني هو في بلدة فيها علم، فيها علماء، تقام فيها شعائر الله، فيها مساجد، فيها دروس؛ عزف عن طلب العلم، أما الذي طلب العلم، ونقله للآخرين، ولم يطبقه فسعد به الآخرون، وشقي هو به، هذا من أندم الناس أيضاً:
اللهم إني أعوذ بك أن يكون أحد أسعد بما علمتني مني.
إنسان أنا أعلمه حديثاً، أعلمه آية، أرمي له قصة، أحلل له حكماً شرعياً، أعطيه شيئاً ثميناً في الدين؛ فيأخذه بكلتا يديه، ويهتم به، ويطبقه، ويرقى إلى الله به، ويسعد به, والذي ألقاه على الناس, كان غافلاً عنه، هذا من أشد الناس حسرة يوم القيامة، بل من أشدهم ندماً.
دعاء يهتز له القلب خوفاً :
والدعاء الثاني:
اللهم إني أعوذ بك أن أكون عبرة لأحد من خلقك.
كم من إنسان خرج عن منهج الله؛ فأدبه الله، فكان قصة، وكان عبرة، وكان حديث الناس، قال تعالى:
﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ﴾
فالدعاء الثاني:
اللهم أعوذ بك أن أكون عبرة لأحد من خلقك.
احذر من أن تفعل عملاً يشينك به عند الله :
والدعاء الثالث:
اللهم إني أعوذ بك أن أتزين للناس بشيء يشينني عندك.
يعني: مظهر هكذا مقبول، مظهر فيه ورع، لباس أبيض، سواك، مسبحة، مصحف بالسيارة، وله أعمال من دون ذلك، يفعلها في غيبة الناس، يفعلها إذا خلا بنفسه، يفعلها إذا سافر، يفعلها إذا كان بعيداً عن مرأى الناس، هذا إنسان يتزين للناس بشيء يشينه عند الله.
احذر أن تكون من هؤلاء الناس فتكون من جملة هذا الدعاء :
والدعاء الرابع:
اللهم إني أعوذ بك أن أقول قولاً فيه رضاك، ألتمس به أحداً سواك.
هناك كلمات حق كثيرة تقال؛ ولكن قد لا يبتغي بها صاحبها وجه الله عز وجل, يبتغي بها شيئاً.
مثال: واحد بإدراكه العميق أن مشكلته لا تحل في المحاكم، القانون ليس في جانبه، في قانون إيجار, المستأجر محمي من الإخلاء ما دام يؤدي الأجرة، وما دام موظفاً, فيأتي صاحب البيت إلى أحد العلماء, فيقول: يا سيدي نحن مؤمنون، نحن مسلمون، نريد شرع الله, هذه كلمة حق, لكن أراد بهذه الكلمة أن يصل إلى بيته لا عن طريق القانون، بل عن طريق الدين, فلو أن أمراً آخر لا يحل عند العلماء يحل في المحاكم, يقول لك: نحن نعيش في بلد حضاري؛ في محاكم، في دولة، فإذا شعر أن قضيته تحل في المحاكم؛ حكّم المحاكم، وإذا شعر أن قضيته تحل في الشرع؛ حكم الشرع، هو في الحالتين يبحث عن مصلحته، ولا ينتمي لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
مشكلة :
((أشد الناس حسرة يوم القيامة؛ رجل أمكنه طلب العلم في الدنيا فلم يطلبه، ورجل علم علماً فانتفع به من سمعه من دونه))
هذه مشكلة كبيرة أيها الأخوة:
((فربّ مبلََّغ أوعى من سامع))
كم من إنسان يقنع إنساناً بالدين، يأتي به إلى المسجد، الذي أتى به يداوم، ويستفيد، ويستقيم، ويرتقي، ويسمو، ويكبر شأنه الديني، والذي أتى به إلى المسجد انقطع عن الدين، هذا من أشد الناس حسرة يوم القيامة؛ يكون هو السبب، ثم الذي دله على الحق سبقه إلى الله عز وجل، لذلك قال تعالى:
﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾
﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ﴾
معقول!!!!:
((أشد الناس حسرة يوم القيامة؛ رجل أمكنه طلب العلم في الدنيا فلم يطلبه، ورجل علم علماً فانتفع به من سمعه من دونه))
لو أن إنساناً ذهب إلى بلد غربي؛ المادة طاغية، الحياة عمل مضني، لا يوجد مساجد، لا يوجد دروس علم، لا يوجد روحانية، يشتهي أن يسمع كلمة حق، يشتهي أن يسمع الأذان؛ ليس هناك من سبيل، فإذا كنت في بلد تقام فيه شعائر الله عز وجل، تجد إنساناً يأتي من أقاصي الدنيا ليستمع إلى مجلس علم، وإنساناً بيته إلى جانب المسجد .....
من الوقائع :
حدثني رجل كان آتي إلى الشام في رمضان من بلد غربي؛ ركب إلى جانبه في الطائرة إنسان من سويسرا، فلما جاء الطعام في رمضان, طبعاً الأخ الذي حدثني كان مسافراً، ومن حقه أن يفطر, فأكل، هذا الإنسان السويسري، معه قرآن باللغة الأجنبية يقرأ به, رفض أن يأكل، قال له: أنا صائم, قال له: إلى أين أنت ذاهب؟ قال له: إلى الشام, قال له: ماذا في الشام؟ قال له: أريد أن أمضي العشر الأخير في الشام بمساجد دمشق, قال لي: شعرت بصغار؛ أنا مسلم، أنا أخذت بالرخصة وفطرت، وأنا ذاهب إلى بلد لأتاجر، أما هذا ذاهب إلى الشام ليطلب العلم؛ يعني هل يستويان؟:
﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾
﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ﴾
﴿أَفنجْعلُ المُسلِمينَ كالمُجرِمِين*مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾
يعني: الله عز وجل جعل بخصائص النفس؛ الغيرة، الغيرة صفة حيادية إذا أسيء استخدامها, أصبحت حسداً، إن أحسن استخدامها, أصبحت غبطة، فالإنسان لا يحتمل أن يسبقه إنسان، فإذا كان لا يحتمل أن يسبقه إنسان في أمور الآخرة؛ هذه غبطة, أما إذا كان لا يحتمل أن يسبقه أحد في أمر الدنيا؛ هذا حسد وغيرة، نعم، لذلك: الله عز وجل أشار إلى هذه الناحية في الإنسان، قال:
﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾
هذا هو التنافس الشريف:
﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ﴾
﴿فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾
نصيحة من نبيك :
((اطلبوا المعروف من رحماء أمتي, تعيشوا في أكنافهم، ولا تطلبوه من القاسية قلوبهم, فإن اللعنة تنزل عليهم, يا علي، إن الله تعالى خلق المعروف، وخلق له أهلاً, فحببه إليهم، وحبب إليهم فعاله، ووجه إليهم طلابه, كما وجه الماء إلى الأرض الجريبة, لتحيي به ويحيا بها أهلها، يا علي, إن أهل المعروف في الدنيا, هم أهل المعروف في الآخرة))
يعني كأنه في قلبين؛ قلب رحيم موصول، وقلب قاسي مقطوع، إن أردت من إنسان شيئاً؛ فاطلب هذا الشيء من الرحيم لأنه موصول، المقطوع قلبه كالحجر الأصم, لذلك قال تعالى:
﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾
يعني الملخص إذا كان للإيمان مؤشر، وللرحمة مؤشر؛ فالمؤشران يتحركان معاً؛ حيثما كان الإيمان كانت الرحمة، وحيثما فقد الإيمان فقد الرحمة, فربنا عز وجل توعد القاسية قلوبهم بالعذاب الأليم، والنبي عليه الصلاة والسلام يدعونا أن نطلب المعروف من الرحماء. قال تعالى:
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾
حقيقة ينبغي أن تعلمها :
الحقيقة مهمة جداً: الرحمة من الله، أما من غير الله: في موقف ذكي ينتزع إعجاب الآخرين, لكن ليس فيه رحمة، قد تجد إنساناً كافراً، قد تجد إنساناً متفلتاً, له مواقف تعجبك, هذا دليل ذكائه، والإنسان ذكي أعطاه عقلاً اللهُ عز وجل، أما لن تجد إنساناً رحيماً إلا موصولاً بالله عز وجل:
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾
ماذا يقابل هذه الآية؟ ولو كنت فظاً غليظ القلب, لو لم تكن موصولاً بنا, لم تكن رحيماً، البديل كنت فظاً غليظ القلب، صار في إنسان رحيم، وإنسان فظ غليظ القلب، صارفي إنسان؛ الرحيم لاتصاله بالله، والفظ الغليظ القلب لانقطاعه عن الله. قانون:
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾
اللين دليل الرحمة، والغلظة والفظاظة دليل القسوة، الرحمة من الله، والفظاظة والغلظة من البعد عن الله عز وجل:
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾
لو لم تستقر هذه الرحمة في قلبك؛ تكون فظاً غليظ القلب، الرحيم يلتف الناس حوله، والقاسي ينفض الناس من حوله:
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾
لو لم تستقر هذه الرحمة في قلبك؛ لكنت فظاً غليظ القلب، عندئذ ينفر الناس من حولك، قال:
﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾
لذلك الرفق دليل الرحمة:
((إِنَّ الرِّفقَ لا يكونُ في شيء إِلا زَانَهُ، ولا يُنْزَعُ مِن شيء إِلا شانَهُ))
في رفق, في رحمة، لا يوجد رفق, لا يوجد رحمة، فأنت ممكن تحكم على إنسان من اتصاله بالله، وانقطاعه عن الله؛ برفقه، ورحمته، ونعومته، ولطفه، وتسامحه، وتساهله.
((اطلبوا المعروف من رحماء أمتي تعيشوا في أكنافهم, ولا تطلبوه من القاسية قلوبهم, فإن اللعنة تنزل عليهم))
القاسية قلوبهم؛ انظر ما أوضح الحديث, ما معنى قاسي القلب؟ يعني ملعون، يعني بعيد عن الله عز وجل.
كن من أهل المعروف في الدنيا حتى تكون من أهل المعروف في الآخرة :
((يا علي, إن الله تعالى خلق المعروف, وخلق له أهلاً, فحببه إليهم, وحبب إليهم فعاله.
-يعني أحد الصحابة الكرام، اسمه زيد الخير، قال: يا رسول الله, أصبحتُ أحبُّ الخيرَ وأهله، إن قدرتُ عليه بَادَرْتُ إِليه، وإن فَاتَني حَزِنْتُ عليه.
الإنسان إذا أصبح يحب أهل الحق، يحب أهل الخير، يحب المعروف، يحب الكرم، يحب خدمة الناس، هذه من نعم الله العظمى، لأن رأس مالك الوحيد عند لقاء الله عز وجل هذا القلب السليم، المفعم بالرحمة-.
ووجه إليهم طلابه، كما وجه الماء في الأرض الجريبة, لتحيي به ويحيا بها أهلها, يا علي, إن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة))
يعني الأشخاص الطيبون، المحسنون، الكرماء، هم نفسهم أعلام في الآخرة, الآخرة والدنيا متصلتان؛ الشقي في الدنيا شقي في الآخرة، والكريم في الدنيا كريم في الآخرة، ومن أجمل الأدعية:
اللهم اجعل نعم الدنيا متصلة بنعم الآخرة.
أتريد أن تكون في ذمة الله دائماً؟ إليك ذلك :
((اعبد الله تعالى كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وعدّ نفسك في الموتى، واتق دعوات المظلوم فإنها تستجاب، ومن استطاع منكم أن يشهد العشاء الآخرة، وصلاة الغداة في جماعة, فليفعل ولو حبواً))
يعني: من صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح، ومن صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي.
((من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله))
أنت إن صليت الفجر في جماعة؛ فأنت في ضمانة الله للمساء، إن صليت العشاء في جماعة, فأنت في ضمانة الله إلى الصباح، فإن جمعت بينهما, فأنت في ضمانة الله المستمرة.
أيها الأخ, عليك بصلاة الغداة –الفجر- وصلاة العشاء فاشهدهما, يعني اشهد جماعتهما.
((ولو تعلمون ما فيهما, لأتَيْتُموهما ولو حَبْواً))
زحفاً.
الإنسان حينما يصلي في المسجد يشعر بأنس، يصلي صلاة متقنة، الجو جو صلاة، أما لو صلى في بيته؛ والأطفال يتصايحون، والزوجة تصيح عليهم، والباب طرق، هذه كلها أحداث تشوش على المصلي صلاته.
أتريد أن تدخل الجنة؟ إليك مطالبها :
آخر حديث:
((اعبُدوا الرحمن، وأطْعِمُوا الطعامَ، وأفْشُوا السلامَ، تدخلوا الجنةَ بسلام))
دعاء الختام :
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد؛ الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصل الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين، الفاتحة.